الإسلام والأديان الأخرىالتنمية الذاتية

الطائفة الدرزية في الشرق الأوسط: عقيدة فريدة وخلافات جوهرية مع الإسلام التقليدي

الطائفة الدرزية في الشرق الأوسط

تُعد الطائفة الدرزية (المعروفون أيضاً باسم “الموحدون الدروز”) إحدى الطوائف الدينية الفريدة في الشرق الأوسط؛ وهي تجمعٌ غامض يجمع بين الممارسة السرية، الفلسفة الغنوصية، والأفكار التوحيدية. تأسّست في القرن الحادي عشر الميلادي كردّ فعل فكر اسلامي متأثر بالإسماعيلية، لكنّها تطوّرت إلى معتقد مستقل يحمل أفكارًا فلسفية وروحية متنوعة.

🏛️ 1.من هم الدروز؟

تنحدر الطائفة الدرزية من أصول إسماعيلية شيعية ظهرت في مصر زمن الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (996–1021م). ومع مؤسسة الحركة حمزة بن علي، تطورت لتصبح مدرسة روحانية فلسفية. ويعد كل من الحاكم بأمر الله وحمزة بن علي محورين أساسيين في تأسيس هذا المذهب الغامض،، ما يمثّل تحوّلًا جوهريًا في مسيرة الفكر الديني آنذاك.

اليوم، تنتشر هذه الطائفة بشكل رئيسي في لبنان وسوريا وإسرائيل، بالإضافة إلى مجتمعات صغيرة في الأردن ومغتربين في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

🕰️ 2. النشأة والتأسيس (القرن الحادي عشر)

2.1 الخلفية التاريخية

انطلقت الدعوة الدرزية في مصر سنة 1017–1018، حيث أسّسها إسماعيليون بقيادة حمزة بن علي بدعم “الحاكم بأمر الله”، الذي شرّع فترة توحيد فكرية وفلسفية غير معهاودة. وقد واجه هذا التوجه معارضة من تلاميذ الصحابي الداعري محمد بن درّاز، مما أّدّى إلى تضارب داخلي أفضى إلى استشهاد الأخير واعتناق الدعوة من قِبَل حمزة .
وبعد اضطهاد الفاطميين، هرب الدروز إلى الجبال السورية واللبنانية، معتزين بسرّيتهم ومعتقداتهم الفلسفية.

🧠 3. المعتقدات الروحية والفلسفية

يؤمن الدروز بوحدانية الله المطلقة، ويرتكز عملهم العقائدي على رسائل الحكمة، وهي كتب سرية تُقرأ فقط من قبل “العقّال” (uqqāl). كما يؤمنون بالتناسخ الفوري بعد الموت وانتقال الروح إلى جسد جديد، ما يُعزز فكرة التقارب الروحي بينهم.

3.2 فلسفة متعددة المصادر

يتألف المذهب الدرزي من اعتقادات أجنبية متداخلة، مثل الغنوصية، الأفلاطونية والفيثاغورية، فضلًا عن مفاهيم إسلامية وإسماعيلية.

🌍 4. الانتشار الجغرافي والديموغرافي

يشكل الدروز ما يقارب المليون فرد، وتكون نسبهم كما يلي:

  • سوريا: 40–50% (حوالي 400–500 ألف)
  • لبنان: 30–40%
  • إسرائيل: 6–7% (~150 ألف)
  • الأردن وغيرها: 10–15%.

تتركّز أبرز المجموعات في:

  • جبل العرب بالسويداء (سوريا)
  • جبل لبنان (لبنان)
  • الجولان، الجليل والكرمل (الأراضي الفلسطينية المحتلة)

🛡️ 5. التاريخ السياسي والاجتماعي

5.1 العصور الوسطى

ساهم الدروز في صد الحملة الصليبية، ثم تعاونوا مع المماليك لتوطيد مصالحهم عند ساحل لبنان .
برزت عائلات مثل معن وشهاب، حيث حكم الأمير بشير شهاب الثاني من عام 1788 وحتى 1840، وتجسّدت قوة الدرزية السياسية آنذاك.

5.2 الإسلام العثماني والاستعمار

تميز تعامل الدروز مع الدولة الثققة، وتحالفوا مع الفرنسيين ضد الأتراك والعثمانيين أثناء الانتداب. ، بينما حافظوا على هويتهم وسلّطتهم المحلية.

5.3 الحقبة الحديثة

نالت الطائفة الاعتراف الرسمي في دول مثل لبنان وسوريا، ولعبوا أدوارًا بارزة في السياسة، خاصة في لبنان من خلال الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة جنبلاط، وفي إسرائيل فالعديد من الدروز يخدمون في الجيش ويشغلون مناصب رسمية.

⚖️ 6. مواقف معاصرة وأحداث بارزة

شهدت الطائفة دروز أخيرًا تركيزًا إعلاميًا خلال أحداث مثل:

  • التصعيد الأخير في الجولان إثر هجمات حزب الله؛ مما أدى إلى تدخل إسرائيلي تحت مبرر حماية الدروز .
  • زيارة رجال دين سوريين للطائفة في إسرائيل لأول مرة منذ عام 1948 لقبر نبي شعيب، ما مثّل فصلًا تاريخيًا جديدًا في العلاقات .

🎭 7. الطقوس الثقافية والاجتماعية

يحافظ الدروز على ثقافة الزواج داخل الطائفة، منعًا للتبشير.

لديهم نظام داخلي محكم ومجالس حكم محلية.

يحتفلون بـعيد الأضحى، لكنهم يختلفون في التفاصيل عن الطقوس الإسلامية.

تميز المطبخ الدرزي بتنوعه الشهير في المأكولات فاستخدموا المازة المشتركة مع مجاوريهم.

🕊️ 8. العقيدة والهوية السرية للطائفة الدرزية

تُعرف الطائفة الدرزية بطابعها السري والباطني. لذلك، يتميز معتقدها بالخصوصية والاحتفاظ بالنصوص المقدسة بعيدًا عن العامة، حيث لا يُسمح بقراءتها إلا لأعضاء محددين يُعرفون باسم “العُقّال”. علاوة على ذلك، يلتزم الدروز بالتقيّد بالتعاليم الأخلاقية الصارمة والتي تركز على الصدق، الأمانة، الدفاع عن النفس، وحماية كرامة المجتمع الدرزي.

ومن الجدير بالذكر أن هذا السرّية في المعتقدات جعلت الطائفة عرضة لسوء الفهم الخارجي، مما عزز وحدتها الداخلية واستقلاليتها الفكرية والاجتماعية عن محيطها.

🧭 9. الهوية الدرزية في العصر الحديث

رغم اختلاف السياقات الوطنية التي يعيش فيها الدروز، إلا أنهم تمكنوا من الحفاظ على هوية موحدة ومتماسكة. في لبنان مثلًا، يُعتبر الدروز من الطوائف الأساسية ولهم زعامات سياسية مهمة، بينما في سوريا يتمتعون بخصوصية مجتمعية في منطقة جبل العرب.

أما في إسرائيل، فمن اللافت أن الدروز يخدمون في الجيش الإسرائيلي بكثافة، بالإضافة إلى وجود قيادات سياسية درزية بارزة في المشهد السياسي الإسرائيلي.

💼 10. الدور السياسي والاجتماعي للمرأة الدرزية

على الرغم من الطابع المحافظ للطائفة، إلا أن المرأة الدرزية تشارك بفاعلية في الحياة الاجتماعية والسياسية المعاصرة. في لبنان مثلًا، ظهرت شخصيات نسائية درزية بارزة في مجالات التربية والتعليم والعمل الاجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك، تدعم بعض المؤسسات داخل الطائفة تمكين المرأة وتعليمها، مع التركيز على الحفاظ على التقاليد والقيم الأخلاقية للمجتمع الدرزي.

📚 11. التعليم والثقافة عند الدروز

يهتم الدروز بالتعليم بدرجة كبيرة، خاصة في المجتمعات اللبنانية والإسرائيلية، حيث توجد مؤسسات تعليمية متقدمة يديرها أبناء الطائفة. كما أنهم يعتزون بإرثهم الثقافي ويحرصون على توثيقه عبر المهرجانات والفعاليات الثقافية التي تركز على الفولكلور، الشعر، الموسيقى والمأكولات التقليدية.

🤝 12. العلاقات مع الطوائف الأخرى

يتمتع الدروز بعلاقات ودية مع معظم الطوائف الدينية المجاورة لهم. في لبنان، تربطهم علاقات تاريخية مع المسيحيين والمسلمين، بينما في سوريا، تعايشوا لقرون مع الطوائف المختلفة في جبل الدروز (جبل العرب). وفي فلسطين وإسرائيل، استطاعوا بناء شبكة من العلاقات مع يهود الدولة ومواطنيها العرب على حد سواء.

🔔 13. التحديات المعاصرة التي تواجه الطائفة الدرزية

مثل بقية الأقليات، تواجه الطائفة الدرزية تحديات كثيرة في العصر الحديث، أبرزها:

  • الهجرة إلى الخارج وفقدان الشباب لهويتهم الثقافية الأصلية
  • تأثير النزاعات السياسية الإقليمية، خصوصًا في سوريا ولبنان
  • محاولات بعض الأطراف توظيف الدور السياسي للدروز في صراعات إقليمية

لذلك، تبرز أهمية جهود الطائفة للحفاظ على هويتها واستقلالها رغم هذه التحديات.

⚖️ 14. الخلافات العقائدية بين الدروز وأهل السنة والشيعة

يُعتبر مذهب الدروز فريدًا من نوعه ويختلف جوهريًا عن المذاهب الإسلامية الرئيسية كالسنة والشيعة. لذلك، فإن عقيدتهم لا تتضمن أركان الإسلام الخمسة بالشكل التقليدي؛ فلا صلاة أو صوم أو زكاة أو حج إلزامي بالشكل المعروف عند المسلمين.

علاوة على ذلك، لدى الدروز عقيدة التقمص كركن أساسي، وهو أمر مرفوض بشكل قاطع لدى المذهبين السني والشيعي. كما يتبنى الدروز تفسيرًا رمزيًا وباطنيًا للقرآن الكريم بعيدًا عن التفسير الظاهري الذي تتبعه مدارس أهل السنة والشيعة.

هذه الاختلافات أدت عبر التاريخ إلى سوء فهم وصراعات بين الطائفة الدرزية والطوائف الإسلامية الأخرى، حيث نظر إليهم البعض كمجموعة “منغلقة وغامضة”، بينما اعتبرهم آخرون خارجين عن العقيدة الإسلامية التقليدية.

📝 خاتمة

في الختام، تُعد الطائفة الدرزية مجتمعًا مميزًا بثقافته ومعتقداته وتاريخه العريق. ورغم خصوصية عقائدها التي تختلف عن المذاهب الإسلامية الكبرى، فإنها حافظت على وجودها المستقل، وأسهمت بفعالية في الحياة الاجتماعية والسياسية في المشرق العربي.

لذلك، يبقى فهم الدروز وإرثهم الفكري والتاريخي ضرورة لفهم تنوع الشرق الأوسط وغناه الثقافي.

من هم الدروز؟

🔗 المراجع

لمن يريد التعمق أكثر حول الطائفة الدرزية يمكن الرجوع إلى المصادر التالية:

✨ إذا كنت ترغب في الحصول على آخر وأحدث المقالات في مدونتنا، يرجى الاشتراك عبر إدخال بريدك الإلكتروني أدناه. سنكون سعداء بإرسال كل جديد مباشرة إلى صندوق بريدك الوارد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى